العراق اليوم

ما جلبه الزلزال قد يأخذه

مصدر الخبر / الاخبار

حين دخلت الولايات المتحده الى الشرق الأوسط رأت الإسلام رابطاَ قوياً يربط سكانه , ولم يكن بالإمكان دفع الناس الى التخلي عن عقيدتهم لذا اقتضت السياسه تقسيمهم الى فئات متباينه من المسلمين والسيطره عليهم بإثارة الصراعات فيما بينهم فحولتهم الى أنظمه حاكمه وهابيه وشيعيه وعلمانيه
خلال الحرب العالميه الأولى التي تم إشعالها لتدمير الوفاق البريطاني الروسي الذي تم توقيعه عام 1907 لتطويق قارة اوربا من الشرق والغرب والحيلوله دون تغلغل النفوذ الأمريكي فيها , ولكي لا تخسر بريطانيا الوفاق مهما كانت نتائج الحرب , اندفعت بجيوش جمعتها من نيوزيلندا واستراليا والهند وجنوب افريقيا الى احتلال مضيق غاليبولي Gallipoli Strait ويسمى ايضاً بمضيق الدردنيل Dardanelles Strait ويسمى مضيق جنق باير بالتركيه , لأن هذا المضيق هو الذي يربط بحر مرمره وبحر ايجه بالبحر الأسود حيث تقع السواحل الروسيه , فقبل قرن من الزمان كانت الملاحه البحريه هي أنجح وسيله لربط أجزاء العالم 
بخطه محكمه تمت مهاجمة الجيوش التي جلبتها بريطانيا ودحرها من قبل أن تتمكن من إطلاق طلقة واحده , وما هي غير فترة قصيره حتى تم إسقاط السلطنه العثمانيه وإحلال نظام جمهوري امريكي علماني وإعطاء صلاحيات واسعه للمجلس العسكري التركي لينزع بعلمانيته كل المظاهر الإسلاميه التي كانت السلطنه العثمانيه ترتكز عليها 
 اذا بحثنا اليوم في الموسوعات البريطانيه والأمريكيه والاستراليه والنيوزيلنديه عن سقوط الدوله العثمانيه فلن نعثر على غير الأكاذيب عمن يسمونه : الرجل المريض , ومعلومات غير ذات قيمه عن حياة السلطان الخاصه , وهي بالضبط نفس الحكايات التي ستساق عند الحديث عن الثوره الشعبيه العارمه التي أطاحت بشاه ايران 
بريطانيا في العام 1923  كانت دولة قويه لا تغيب عنها الشمس وكانت تحكم عصبة الأمم The League of Nations التي رفضت الولايات المتحده الدخول فيها أو التوقيع على أي من مقرراتها لأنها كانت تريد سلطة أكبر للتحكم بمقدرات العالم , ولهذا أوقعت الحرب العالميه الثانيه فدمرت العصبه وأسست على أشلائها هيئة الأمم المتحده United Nations . حين كانت بريطانيا تحكم عصبة الأمم قامت بتكبيل تركيا والنفوذ الأمريكي من ورائها بمعاهدة لوزان 1923 _ 2023 والتي ستنتهي تموز المقبل 
منذ العام 1983 بدأ الإستعداد لإطلاق الغول التركي على العالم , السلطنه العثمانيه كانت تحتل اغلب الشرق الأوسط وأجزاء من آسيا وأوربا , اذا لم يتم إحياء الروح العثمانيه لدى الأتراك فلن يكون الغول غولاً 
 تم الإيعاز الى المجلس العسكري التركي السماح بتأسيس الأحزاب ليسارع كل من : علي تركمان واحمد تكدل ونجم الدين اربكان الى تأسيس حزب الرفاه التركي Turkish welfare party في 19 تموز 1983 عمل هذا الحزب بشعارات ومباديء اسلاميه واضحه حتى 16 كانون2 عام 1998 حيث قام المجلس العسكري التركي بإغلاق الحزب ومنعه من العمل بحجة مخالفته لتعاليم الدستور العلماني التركي , لكن الغرض الحقيقي من الإغلاق هو إثارة النعره الدينيه على أشدها وإثارة الحقد والكراهيه ضد العلمانيين الترك وتأسيس الحلم بعودة الإسلام العثماني , ومن ورائه الأطماع العثمانيه بكل المناطق التي كانت تسيطر عليها في العالم 
كيف وصل الإسلاميون الى الحكم في تركيا ؟ يوم 17 آب 1999 وقع زلزال مدينة إزمد التركيه Izmit city الواقعه على بحر مرمره , استغرق 37 ثانيه فقط ,  بقوة 7,6 درجه على مقياس ريختر فقتل 17 ألف مواطن . إزمد مدينه صناعيه مناطقها الحضريه مكتظه بالسكان , فيها مصافي للبترول والعديد من مصانع السيارات والمقر الرئيسي للبحريه التركيه وترسانه هائله للذخائر العسكريه مما زاد من حدة الخسائر في الأرواح والممتلكات , ولم يقتصر الزلزال على إزمد بل امتد منها الى اسطنبول التي أصابتها أضرار جسيمه رغم بعدها 70 كيلومتر عن مركز الزلزال . ارتفع عدد القتلى الى 45 ألف وعدد مماثل من الجرحى , تحول 120 ألف منزل الى أطلال , وانهار 20 ألف مبنى معد لمختلف الإستعمالات ما بين مستشفيات ومدارس وغيرها , وتشرد نصف مليون مواطن 
وجدها الإسلاميون فرصه من ذهب لإثارة الرأي العام التركي ضد حكومته العلمانيه التي تحكم البلاد منذ 80 عام تقريباً والتي لم تتمكن من مواجهة تداعيات الزلزال , ناهيك عن انها مسؤوله عن تخطيط وتنفيذ خطط فاشله لمواجهه الأزمات التي يمر بها البلد , ومسؤوله عن تنفيذ بنيه تحتيه متدنيه لم تتمكن من الصمود بوجه الكارثه 
قدّم حزب العداله والتنميه الإسلامي الداعي الى العثمانيه الجديده , نفسه كقادر على مجابهة الموقف والوفاء بمتطلبات حياة كريمه للمواطنين وهكذا وصل الى السلطه في 2002 
تم تأسيس حزب العداله والتنميه عام 2001 من قبل أعضاء بعض الأحزاب مثل حزب الفضيله ، وحزب الوطن الأم ، وحزب الطريق القويم  , يرأسه رجب طيب اردوغان ويتمتع الحزب بقاعدة دعم قويه من قبل الملتزمين بالتقاليد المحافظه في تركيا على الرغم من نفي الحزب لإسلاميته بشده لأنه لايريد خسارة دعم الترك غير المسلمين ولايريد معارضة دستور البلاد العلماني , ويصف نفسه بأنه حزب مؤيد للغرب ومؤيد لأمريكا . بعد عام من حصوله على السلطه اندلعت احتجاجات في جميع أنحاء البلاد ضد تسلطه , فرد  بعنف مما تسبب في إدانته دولياً ووقف إنضمام تركيا الى الأتحاد الأوربي  
حزب التنميه والعداله خسر الانتخابات عامي 2015 و 2018 وطالته فضائح فساد كبرى عام 2013 شملت حتى رجب طيب أردوغان نفسه وابنه نجم الدين بلال اردوغان مواليد 1981 ويعمل كرجل أعمال 
ونأتي الآن الى مربط الفرس , الإنتخابات التركيه ستقع بين شهري مايس وحزيران 2023 , يستعد لها أردوغان منذ عدة أشهر لكسب الداخل التركي وتأييده ومنح أصواته , مالعمل والضائقه الإقتصاديه وإنهيار العمله التركيه يطوّق عنق المواطن ؟ كان على أردوغان تخفيف العبء المالي عن مواطنه ليحظى بقبوله , فعمد الى خطوات اقتصاديه سريعه هي بمثابة كوارث اقتصاديه على المستوى المنظور لأنها ستضاعف التضخم وتؤدي الى مزيد من إنهيار العمله لكن هذا لا يهم أمام خسارة الإنتخابات . تمت زيادة الرواتب وتخفيض فوائد البنوك على أمل إشعار المواطن ببعض البحبوحه 
التفت أردوغان الى تعثر علاقاته الإقليميه بسبب لهجته المتعنته في التعامل مما يؤثر عليه اقتصادياً لأنه يغلق الأسواق أمام البضائع التركيه , قام بإصلاح علاقاته مع دول الخليج , ثم التفت الى مصر التي تتعثر علاقاته معها بسبب النزاع على النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط , وبسبب تدخل اردوغان لدعم اخوان مصر , وبسبب الجاليه الاخوانيه  المصريه المهاجره الى تركيا , وبسبب التواجد العسكري التركي في ليبيا مما يؤدي سلب خيرات ليبيا وحرمان مصر منها , بعدها التفت الى اسرائيل لتعزيز علاقاته معها , وهكذا فعل مع اغلب محيطه العربي والأوربي 
يتواجد في تركيا ما يزيد على 8 مليون لاجيء عراقي وسوري ومصري , عملت الحكومه التركيه على استقطابهم حين راودها الحلم السلطاني لتتدخل بهم بشؤون بلدانهم فيما بعد . اليوم وتركيا على أبواب الإنتخابات ما حاجتها الى هؤلاء اللاجئين الذين يشكلون عبئاً على مجتمعها ومواردها ؟ 
دفع ذلك اردوغان الى العمل على إصلاح علاقته مع سوريا التي تسيطر قواته على شمالها , سيضرب عدة عصافير بحجر واحد , تعاونه مع الحكومه السوريه سيساعده على حل المشكله الكرديه العالقه بين البلدين فيجعل مواطنه يشعر بالإمان , واستقرار الأوضاع في سوريا سيسمح له بإعادة اللاجئين السوريين الى ديارهم في الأماكن التي تسيطر عليها القوات التركيه , والأهم أن اعادة توطين اللاجئين سيكون بأموال ودعم اوربي ودولي وهذا سيجلب موارد ماليه
كل هذا العمل الطموح الجاد وقع قبل 6 شباط 2023 حيث في هذا اليوم وقع الزلزال الذي لم تحسب اعداد ضحاياه ولا مقدار خسائره بدقه بعد , ومثلما حكم العلمانيون حوالي 80 عام وكشف فشلهم زلزال مرمره , فزلزال اليوم يكشف فشل الإسلاميين بعد 20 عام من حكمهم , ولن ينجح اردوغان امام الناخبين بالوعود , بل بالمواجهه الحقيقيه للكوارث التي وقعت , مستقبله السياسي متوقف على ذلك , ولكن من يدري فقد تستغل القوه التي تحكم المنطقه ضد اردوغان فاجعة الزلزال من أجل تغييره هو ايضاً , لأن تركيا تحت معاهدة لوزان ليست تركيا بدونها , ولهذا ينبغي تغيير الوجوه لإستئناف المرحلة المقبله , عندها يكون الزلزال قد أطاح بعمامة السلطان أردوغان تحت الأنقاض من قبل أن يضعها على رأسه 
د. ميسون البياتي 

يمكنك قراءة الخبر ايضا من المصدر من هنا

أضف تعليقـك