لستُ متيقنًا فيما إذا كان «الحزب الشيوعي الأميركي» محظورًا من النشاط في الولايات المتحدة، إلا أني متأكد من أن السيناتور «بيرني ساندرز» Bernie Sanders (عن ولاية فيرمونت Vermont ) هو مفكر ماركسي بحسب جميع المعايير. أما كيف تم انتخابه سيناتورًا (برغم ميوله الشيوعية) عن ولاية صناعية مهمة، فأجد في ذلك غموضًا يصعب تفسيره، اللهم إلا بالاعتماد على «الأريحية الأميركية» التي تسامحت وتتسامح معه ومع صوته «الاشتراكي» العالي عبر وسائل الإعلام، نظرًا لأنه يغذي ويؤجج «الصراع الطبقي» (بصراحة صادمة) في جميع مقابلاته ومؤلفاته وآخرها كتابه الجديد (لا بأس بأن تكون غاضبًا على الرأسمالية) It’s OK to Be Angry About Capitalism الذي سيصدر قريبًا، لا بُدَّ أن يسبب ضجة.
شيء غريب أن تستمع لهذا الرجل وهو يتكلم عن «الحرب» والكراهية الطبقية بين الأقلية الغنية والأغلبية الفقيرة (تلك التي يحيا أفرادها اعتمادًا على شيكات الأجور الأسبوعية: «من شيك إلى شيك»!). بَيْدَ أن الغرابة لا تقف عند هذا الحد، أي عند وسائل الإعلام التي تقدم للسيناتور ساندرز عبر قنوات الدعاية بطلًا فقط، بل هي تقدم له كل ما من شأنه المعاونة على تعاطف المستهلك الإعلامي مع الفكر الاشتراكي، خصوصًا وأنه رجل لا يمكن للمتابع إلا أن يتعاطف معه، بل ويطالب بعدم استبعاده برغم حقيقة «أن أفكاره تهدف إلى هدم النظام الرأسمالي» في قلعة الرأسمالية، الولايات المتحدة الأميركية.
بل إن أبعاد «الحرية الليبرالية» الأميركية تتجسد بقوة عندما يسمح لهذا الرجل الماركسي أن يرشح للفوز بالرئاسة الأميركية كما حدث في الانتخابات السابقة، بل إنه يعلن اليوم بأنه ينوي الترشيح للرئاسة، منافسًا لـ»صديقه» الشخصي، «الرئيس جو بايدن»!
وكما أرى، فإن هذه الحرية المفرطة الممنوحة لرجل ماركسي يعمل بصوت عال داخل قلعة الرأسمالية إنما تدل على نوع من «الاسترخاء» الأميركي، وهو استرخاء من ضغوط وآثار الحرب الباردة، درجة عدم الممانعة من منح الماركسيين (بل وحتى الشيوعيين) صوتًا حرًّا عاليًا يصل إلى مسامع الجميع داخل، بل وحتى خارج الولايات المتحدة الأميركية!
ولا يتورع «ساندرز»عن القول بوجوب تحمل أقلية «المليارديرية» من الرأسماليين كامل أعباء الضريبة، نظرًا للأرباح الفاحشة التي تحققها هذه الطبقة التي يعدها ساندرز «طفيلية»، طبقة لا تعمل! وفي ذات الوقت يدعو ساندرز إلى التوزيع العادل للثروة بحيث ينتزع نظام الضرائب المال من أقلية الأغنياء المرفهة أعلاه (التي تعد بأصابع اليد) لتقدم هذه الأرباح للعمال الذين يُمثِّلون العمود الفقري لاقتصاد «أغنى دولة في تاريخ العالم»، حسب كلماته، أي الولايات المتحدة الأميركية»!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
جريدة الوطن
يمكنك قراءة الخبر ايضا من المصدر من هنا