العراق اليوم

قوانين الغباء البشري

مصدر الخبر / الاخبار

فيما مضى كنا نظن أننا نعرف أعداداً ضئيلة جداً من الأغبياء , لكن الأنترنت بما يحويه من مواقع يًنشر عليها ما يًنشر , ومواقع التواصل الإجتماعي التي قربت المسافات وسهلت الإتصالات وكشفت عن اعداد غير متوقعه من الأغبياء حول العالم ابتداءاً من رؤساء الدول حتى أصغر المفاصل فيها , ذلك أن التصرف الغبي موقف قائم بذاته غير مرتبط بعمر أو جنس أو مكانه علميه أو وظيفيه 
ظاهرة الغباء المستشري حول العالم دفعت الكثير من الباحثين للنظر في الأمر فتم من ضمن ماتم العثور على مقاله من 60 صفحه عنوانها : القوانين الأساسيه للغباء البشري The basic laws of human stupidity نشرها العالم الإيطالي كارلو سيبولا Carlo M. Cipolla عام 1976 وصف فيها الغباء البشري على أنه أكبر قوه مدمره لسعادة الإنسان ورخائه ووجوده. أعيد طبع المقاله في كتاب من 96 صفحه يباع بسعر 23 دولار ويعتبر الأعلى مبيعاً خلال هذه الفتره قام بتحريره وشرحه الباحث نسيم نيكولاس طالب Nassim Nicholas Taleb  1960 _ وهو باحث امريكي من أصل لبناني له العديد من البحوث والإسهامات المتميزه    
 عاش سيبولا بين عامي 1922 _ 2000 ولد في ايطاليا ودرس فيها وتخرّج من جامعاتها. بعد الهزيمه المره التي وقعت في ايطاليا واليابان عقب الحرب العالميه الثانيه , والمعاهدتين الأكثر إذلالاً التي أُمرت الدولتان بتوقيعهما للولايات المتحده الأمريكيه , ولكي تحسّن الأخيره من صورتها أمام شعبي البلدين سحبت الكثير من مثقفي تلكم الدولتين الى جامعات أمريكيه لتريهم وجهها الحسن , فتم سحب سيبولا كزميل فولبرايت Fulbright fellow عام 1953 الى احدى الجامعات الأمريكيه , وفي العام 1957 عمل كأستاذ زائر في جامعة كاليفورنيا وبعد عامين منح درجة الأستاذيه الكامله وعاش في الولايات المتحده
برنامج فولبرايت The Fulbright Program بما في ذلك برنامج فولبرايت_هايز  The Fulbright–Hays Program  هو واحد من عدة برامج للتبادل الثقافي في الولايات المتحده يهدف تحسين العلاقات بين الثقافات ، والدبلوماسيه الثقافيه ، ومعيار الكفاءه للثقافات بين الولايات المتحدة والدول الاخرى ، من خلال تبادل الأشخاص والمعرفه والمهارات . عبر البرنامج يمكّن المواطنين الأمريكيين المختارين تنافسياً بما في ذلك الطلاب والعلماء والمعلمين والمهنيين والعلماء والفنانين الحصول على منح دراسيه أو منح للدراسه أو إجراء البحوث أو التدريس أو ممارسة مواهبهم في الخارج ؛ ومواطني الدول الأخرى الذين ( قد ) يكونون مؤهلين لفعل الشيء نفسه في الولايات المتحده . تم تأسيس البرنامج من قبل السناتور الأمريكي ج. وليام فولبرايت J. William Fulbright في عام 1946 بعد نهاية الحرب العالميه الثانيه في أوربا ويعتبر أحد أكثر المنح الدراسيه المرموقه والمعترف بها على نطاق واسع في العالم. يقدم البرنامج ما يقرب من 8000 منحه سنوياً – ما يقرب من 1600 للطلاب الأمريكيين ، و 1200 للعلماء الأمريكيين ، و 4000 للطلاب الأجانب ، و 900 للعلماء الزائرين الأجانب ، وعدة مئات للمعلمين والمهنيين
يدار برنامج فولبرايت من قبل منظمات متعاونه مثل معهد التعليم الدولي The Institute of International Education وهو يعمل في أكثر من 160 دوله حول العالم . مكتب الشؤون التعليميه والثقافيه التابع لوزارة الخارجيه الأمريكيه The Bureau of Educational and Cultural Affairs of the U.S. Department of State يرعى برنامج فولبرايت ويمنحه تمويلاً من كونغرس الولايات المتحدة عبر فواتير الاعتمادات السنويه Appropriation bill . يأتي الدعم الإضافي المباشر والعيني من الحكومات والمؤسسات والشركات الشريكه والمؤسسات المضيفه داخل وخارج الولايات المتحده في 49 دوله وتديره لجنة فولبرايت الثنائية القوميه المديره والمشرفه على برنامج فولبرايت The bi-national Fulbright Commission administers and oversees the Fulbright Program   . أما في البلدان التي لديها برنامج نشط ولكن ليست لديها لجنة فولبرايت فيشرف قسم الشؤون العامة في سفارة الولايات المتحدة The Public Affairs Section of the U.S. Embassy على برنامج فولبرايت . شارك أكثر من 370 ألف شخص في البرنامج منذ بدايته ؛ 62 من خريجي فولبرايت فازوا بجوائز نوبل ؛ 88 ربحوا جوائز بوليتزرPulitzer Prizes
اعتماداُ على الدراسات الطبيه والتشريحيه يقرر البروفيسور سيبولا أن الغباء حاله وراثيه تخص التركيبه العصبيه لكل انسان , فالعصب بالضبط مثل السلك الكهربائي , هناك أسلاك تنقل التيار بسرعه ودون أن تسخن . وغيرها أسلاك مقاومه تنقل التيار ببطء وتسخن بسرعه نتيجة مقاومتها , الغباء منحه ربانيه لا اعتراض عليها , يتساوى في وراثتها جميع البشر , وهي موجوده في كل المجتمعات بنسبة ثابته 
الجهل والغرور وفراغ العقل والفظاظه والتسرع والقسوه Rawness  تؤدي الى تصرف غبي , يضرب على ذلك مثلاً بعصابه في الولايات المتحده الأمريكيه سطت على مخازن معمل ألكترونيات وأفرغتها بالكامل , وبعد أقل من ساعه كانت العصابه تحت سيطرة الشرطه , ببساطه لأن العصابه سرقت أجهزه تحمل معدات تتبع جي بي إس GPS trackers تم تحديد مكان العصابه من خلالها بدقة متناهيه , لكن الجهل ليس غباء رغم انه قد يؤدي الى تصرف غبي 
لايوجد إنسان ذكي على طول الخط ولا غبي كذلك , لأن الموقف الغبي أو الذكي يحدده الموقف الذي يوضع في الشخص , ويحدده وعي الشخص بما يقوم به أو عدم وعيه . قام سيبولا بمقاطعه إحداثيين : الإحداثي س , والإحداثي ص . بصورة متعامده , وضع على طرف الإحداثي السيني : منفعة الشخص , وعلى الطرف الآخر : مضرة الشخص 
على طرف الإحداثي وضع: منفعة الناس , وعلى الطرف الآخر: مضرة الناس 
عندها ستقسم البشريه الى 4 فئات رئيسيه هي : فئة الإذكياء The intelligent الذين يقومون بفعل ينفعهم وينفع الناس ، وفئة قطاع الطرق Bandits  الذين يقومون بفعل ينفعهم ويضر الناس , وفئة العاجزين The helpless وهم الذين يقومون بما يضرهم وينفع الناس ، وفئة الإغبياء Idiots  الذين يقومون بما يضرهم ويضر الناس 
إستنبط سيبولا من ذلك 5 قوانين . القانون الأول : إننا ننخدع ببعض المظاهر عن تقدير مقدار غباء الأشخاص حولنا , لأنهم رؤساء أو يحملون شهادات عليا أو أثرياء 
القانون الثاني : الغباء صفه مستقله بذاتها لا ترتبط بالجنس أو الجنسيه أو اللون أو العرق , وجميع المجتمعات لها نسبه متساويه بوراثة الغباء 
القانون الثالث : الشخص الغبي هو الشخص الذي يتسبب في خسارته الشخصيه في نفس الوقت الذي يضر به الآخرين , ويوصم بالغباء دون سواه لعدد مرات تكرار المواقف الغبيه في حياته . هذا القانون يسميه سيبولا : القانون الذهبي للغباء , فالأشخاص الأغبياء خطيرون وضارون لأن الأشخاص العقلاء غير قادرين على فهم منطقية السلوك الغبي . بينما غيرهم من الفئات التي صنّفها سيبولا أحياناً تتصرف بذكاء ، وأحياناً تتعرض للإساءة ، أو تتحول الى أشرار أنانيين , في المقابل الأغبياء يتصرفون في جميع الأوقات بحماقة لا تتزعزع  , ويمكن لأي شخص عادي فهم منطق قطاع الطرق الذي يتسم بعقلانية شريره ، ولكنها عقلانيه على أي حال , بينما السلوك الغبي لا يمتلك أية عقلانيه  
القانون الرابع : يستخف الأشخاص غير الأغبياء دائماً بالقوه التدميريه للأفراد الأغبياء وعلى وجه الخصوص ، ينسى الأشخاص غير الأغبياء باستمرار أنه في جميع الأوقات ، وفي جميع الأماكن ، وفي جميع الظروف ، فإن التعامل مع الأشخاص الأغبياء أو الارتباط بهم هو دائماً خطأ بالغ الفداحه . نحن نقلل من شأن الأغبياء ونفعل ذلك على مسؤوليتنا الشخصيه لأنه سيكلف الكثير لاحقاً 
القانون الخامس : الشخص الغبي هو أخطر أنواع الأشخاص وهو أخطر على المجتمع من اللص . والاغبياء الذين يحرزون مواقع متقدمه في مجتمعاتهم فهم لا ينجحون بجهودهم بل بجهود مجموعه من الأذكياء الذين يساندونهم أو يعملون تحت إمرتهم ويوازنون الخسارات التي يتسبب بها الأغبياء
المجتمعات المتدهوره لديها نفس النسبه من الناس الأغبياء Idiots بالضبط مثل المجتمعات المزدهره لكن لديها إضافة للأغبياء نسبه عاليه من الأشخاص العاجزين The helpless وانتشار مقلق لقطاع الطرق Bandits  الذين يتبعون مصالحهم الشخصيه التي تضر الآخرين . ومقابل كل هؤلاء تدني في نسبة الأذكياء The intelligent في ذلك المجتمع
لا توجد وسيله للتخلص من الغباء. السبيل الوحيد للمجتمع لتجنب الانهيار بسبب عبء الأغبياء هو أن يعمل غير الأغبياء بجدية أكبر للتعويض عن خسائر الأغبياء
نأتي الآن الى تقدير مقدار وعي الشخص بنوع السلوك الذي يتخذه في الموقف الذي يحدد تصنيفه ضمن فئات البروفيسور سيبولا والأمثله المذكوره هنا هي من اختيار كاتبة المقال وليست من متن الكتاب _ المقاله . بالنسبه الى فئة الأذكياء هناك نسبه كبيره من الفنانين والرياضيين مصابين بالنرجسيه واحدهم يعي نفسه ونجوميته أولاً ولذا يسعى الى النجاح والشهره من أجل نفسه , وحين يصل تلك الدرجه فهو يجلب العائد لنفسه ومجتمعه , صحيح أنه سيكتسب صفة الذكاء لكنه ذكاء غير مقصود ويقترب قليلاً من صفات قطاع الطرق الذين تهمهم مصلحتهم قبل أي شيء , عكسهم طبيب آلمته متاعب البشر الصحيه فابتكر طريقة جديدة للعلاج نجحت وتسجلت بإسمه عالمياً كطريقه جديده مبتكره للعلاج مثل طريقة المرحوم أستاذنا الكبير الطبيب خالد ناجي في معالجة الحروق , هذه الحاله يستحق أفرادها إطلاق صفة الذكاء عليهم The intelligent
قاطع الطريق Bandit الذي يسرق من المال العام بإعتباره مالاً سائباً لا صاحب له فيضر مجتمعه هو قاطع طريق بحق ويفعل فعلته عن علم , وحسابه ليس كحساب من يصفهم قوله تعالى في سورة آل عمران (( يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا )) صحيح أن سرقة الحمد ممن يستحقونه هي صفة ذميمه لكنها إن لم تترتب عليها استحقاقات أخرى فهي مجرد مكانه افتراضيه لا قيمة لها ولن تضر أحد 
العاجزون The helpless اذا كانت صفة العجز هي من يضر نفسه لينفع الناس فنحن ننحني إحتراماً للجيش والشرطه التي تضحي بأرواحها من أجل أماننا , ونقدر عالياً تضحيات كل أطباء العالم وقت جائحة كورونا الذين عرّضوا أنفسهم لأعلى المخاطر في سبيل تخفيف آلامنا وإنقاذنا من الموت , مقابل ذلك تقف فئة من الناس فعلت أو تفعل المعروف في غير أهل المعروف الذين وصفهم الشاعر زهير بن ابي سلمى بقول (( ومن يجعل المعروف في غير أهلهِ … يكن حمده ذمّاً عليه ويندمِ ))  فهؤلاء هم العاجزون الحقيقيون 
الإغبياء Idiots يقومون بما لا يعد ولا يحصى من السلوكيات الغبيه فيستحقون صفة الغباء عن جداره ولكن اذا كانت صفة الغباء هي التسبب بالضرر للنفس والغير فعلينا التوقف أمام حالات مثل حالة شمشون الجبار وهو يهد المعبد ويصرخ : عليّ وعلى أعدائي , لأنه غباء واعي ولا يقع عن غفله , هو هزيمة اليائس لكنه ليس غباء 
د. ميسون البياتي 

يمكنك قراءة الخبر ايضا من المصدر من هنا

أضف تعليقـك